دور السياحة في قضايا التنمية

 مراحل تطور السياحة و تاريخها

مراحل تطور السياحة 

مما لا شك فيه أن تاريخ نشأة السياحة يصعب تحديده غير أن تطورها كان عبر الزمن من خلال تعدد أشكالها وأهدافها ، فقد بدا الإنسان الأول حياته وهو يسعى وراء الإستقرار على الأرض مما أدى به إلى التنقل والترحال سائحا في أرجاء الكـرة الأرضـية
وبعد أن أستقر في مكان معين ، أستمر يتنقل باحثا عن المتعة و إكتشـاف مـا يحـيط بـه والإحتكاك بغيره من الساكنة ، هذا التغير يوازيه تطور هائل في وسائل النقل والإتصال  والمنشآت السياحية ، ويمكن تقسيم مراحل تطور السياحة عبر التاريخ إلى أربـع مراحـل  أساسية.

1 -مرحلة الحضارات القديمة 

وتشمل هذه المرحلة الفترة الأولى من حياة الإنسان أي من العصر البدائي أين كان سفر الإنسان مربوط بإستقراره والبحـث عن وسائل العيش الهني من توفر الأكل والأمن ، ولم تكن هناك قوانين تحكم تصرف الإنسان وتحدد حقوقه وواجبات ولا تحد من
ترحاله سوى قوانين الطبيعة ولم تكن هناك جيوش تحمية من الغزو والإعتداء عليه، ولم تكن العلوم تقدمت فتخدم الإنسان فتوفر له ما يحميه من الحر والقر ولا وسائل نقل تسهل السفر ، فقد كان يتنقل الإنسان من الأرض القاحلة إلى الأرض الخصبة ومن المكان الذي يخاف فيه إلى المكان الآمن فلم يكن السفر يخضع للتعقيدات التالية ، من ضرورة توفر
وسيلة نقل ، تأشيرة دخول بلد ما ، مصاريف نقل ،جواز سفر... إلخ ، بل كان السفر ظاهرة طبيعية مرتبطة بوجود الإنسان ويهدف إلى إشباع نزواته وإستيفاء إحتياجاته الشخصية ، وعندما قامت الحضارات أصبح السفر وسيلة تجارية والقيام بالحملات العسكرية والتعلم والتعليم خاصة مع بداية تكون الدول ، وقد كان للفينيقيين السبق في الإهتمام بالتجـارة والتنقل ، فقد عرفوا بحب المخاطـرة والترحـال البحـري ، بحثا عن المعرفة والكسب المادي ، فالتجار الفينيقيين ركبوا البحر في كل الإتجاهات خاصة بعد القرن الثالث عشر قبل الميلاد بلغ نشاطهم الذروة خلال الفترة من القرن العاشر إلى منتصف القرن الثامن عشر قبل الميلاد إذ بلغت رحلاتهم شواطئ شبه جزيرة إيبيريا وبلاد الغال وملطة وكورسيكا وبحر البليار وشمال إفريقيا .  ومن أبرز الرحلات السياحية في تلك الفترة في بلاد الإغريق تلك الوفود من اليونايون القدماء وسكان الأقاليم الأوروبية المجاورة التي تأتي إلى جبال ألمبيا لمشاهدة
الألعاب الألمبية التي شرع في تنظيمها العام 776 قبل الميلاد ، هذا التوافد شجع على بناء  الفنادق لزوار أثينا وكان ذلك خلال القرن الرابع قبل الميلاد كما يعتبر الرومان كذلك من أول الشعوب القديمة التي أهتمت بشغل أوقات الفراغ بالسفر والترحال من أجل المتعة ويصنف المسافرون خلال العصر الروماني إلى

• رجال القوات المسلحة ، حيث تم إنشاء الطرق لتسهيل تحركات الجيوش الروماينة.

•  المسؤولون الحكوميون ، حيث شكلت تحركات رجال الدولة والإدارة والبريد جانبا من إجمالي الحركة على الطرق.

• التجار وأصحاب المهن المختلفة وخاصة العاملين في قطاع التعدين ، إذ أهتم الرومان بإستغلال الموارد المعدنية في العديد من الأقاليم الخاضعة لسيطرتهم .

•  المسافرون بإرادتهم من أجل الإستمتاع
والمعرفة سواءا لزيارة شواطئ البحار أو الأماكن المقدسة ، أو بعض الأقاليم التي تتوافر على المياه المعدنية ،أو مشاهدة المباريات الرياضية المختلفة وكذا المهرجانات السنوية .

2 -مرحلة العصـور الوسطـى

بقيت السياحـة في العصور الوسطى في الفتـرة من القرن الخامس إلى القرن الخامس عشر بمدلولهـا الحالـي مجهولة لدى الشعوب ، بل أن السفر والإنتقال بقي بدائيا كما كان في العصور الأولى مع تطور يسير ، إذ تميزت هذه الفترة بالصراعات مما أفقد النـاس عنصـر الآمان وساءت أحوال الناس ومن تم نقص السفر والترحال وزاد الإهتمام بالكنيسة في هذه المرحلة مما جعلها قبلة للكثير من الزوار ، كما
عرفت هذه الفترة قيام بعض المستكشفين بأسفار طويلة كان من نتائجها سنة 1492 ميلادي اكتشاف القارة الأمريكية من طرف كريستوفر كولومبوس . في هذه الحقبـة التاريخية كانت الحضـارة الإسلامية في أوج ازدهارها فأهتمت بالعلوم والفنون والآداب والعمارة وزادت حركة الناس في مختلف أنحاء البلاد الإسلامية وقد ساهمت الحضارة الإسلامية في إنشاء عدد من المدن أصبحت قبلـة للسواح من كل أسقاع العالم كبغداد وقرطبة فضلا على المنشآت السياحية والحمامات التي أنشأت في هذه الحقبة سيما في القاهرة ، الأسكندرية ، البصرة ، دمشق ، والأندلس ... إلخ .

كمــا تميزت هذه الفترة بظهور بعض الجامعات العريقة بأوروبا مثل جامعة السربون بفرنسا وجامعة أكسفورد بإنجلترا مما جعل البلدين قبلة لعدد من طلاب العلم وبالتالي نوع من السياحة ، غير أنه خلال هذه الفترة لم تكن هناك قوانين منظمة للإنتقال ولا وسائل نقل متطورة ، بل أن مصطلــح السيـاحة بمدلولـه الحالي لـم يظهر بعد .

3 - مرحلة في العصـر الحديـث 

تمتد هذه المرحلة بين القرن السادس عشر ونهاية القرن التاسع عشر الميلاديين ،  فقد شهدت إكتشافات جديدة أهمها إكتشاف أستراليا العام 1605 ونيوزيلندا العام 1769. وعرفت كذلك بالرحلات الأوروبية إلى أفريقيا وتطور الآلة ووسائل المواصلات والإتصالات ، فقـد ساعد ظهور السيارة والباخرة والطائرة والقطار على تسهيل عملية السفر ، وإن كان ذلك في الأول مقتصرا على الأغنياء ، وعرفت المرحلة كذلك بعض القوانين المنظمة للنشاط السياحي نتيجة الحدود السياسية للدول فأصبح السفر يخضح للتأشيرات وجوازات السفر .  العصر الحديث للسياحة شمل أيضا فترة الثورة الصناعية سيما في أوروبا وشهد العالم إرتفاعا في مستوى المعيشة وتطورا في وسائل النقل الأمر الذي ضاعف من الطلب السياحي وعرف العالم أول تنظيم لرحلة سياحية من خلال Cook Thomas عام 1841 في بريطانيا ، حيث قام بنقل مجموعة أشخاص من الطبقات الشعبية بواسطة القطار لزيارة البحر لمدة يوم واحد قاصدا إبعادهم عن جو الفقر والبؤس والعمل المزري الذي يمارسونه ، كما قام أيضا بنشر مجلة في السفر لتعريف الناس بالجوانب المختلفة والإحتياجات الضرورية خلال الترحال .

4 -المرحلـة المعاصـرة أو مرحلة السيـاحة 

يعتبـر القـرن العشرين بما أحدثه من إبتكارات " قرن السياحة " كما أن النصف الأخير منه يوصف " بعصر السياحة " فرغم أن القرن عرف حربين عالميتين
مدمرتين وعديد من الحروب في العالم ، فيتنـام ، حرب الكوريتيـن ، غزو الإتحاد السوفياتي لأفغانستان ، إيران – العـراق ، فضلا علـى الحرب البارة بين المعسكر الشيوعي والرأسمالي ... إلخ ، إلا أنـه شهد تطور هائل في النشاط السياحي أو ما يعرف بالإقتصاد السياحي.  ففي هذا العصر أصبح العالم فعلا قرية صغيرة يمكن أن تزور قاراتها الخمس في يوم واحد ، وعرف أيضا التطور الهائل في مجال المنشآت السياحية بمختلف أنواعها.

وظهرت الفنادق العملاقة جدا والسلاسل الفندقية التي ساهمت في تطوير حقيقي للنشاط السياحي في العالم ، المرحلة تميزت أيضا بظهور المنظمات السياحية وأهمها المنظمة العالمة للسياحة التابعة لهيئة الأمم المتحدة ، وتبقى هذه الفترة بمثابة العصـر الذهبـي للسياحـة للإعتبارات التاليـة :

•  التطــور الكبير في وسائل النقل المختلفة سيما من جانب السرعة ، الراحة وبالخصوص الأمن .

•  التقدم الذي شهـده قطاع الإعلام مما سهل عملية العالم إرتفــاع مستوى المعيشة لدى الكثير من شعوب العالم مما جعل رغبة المتعة
والسفر تزداد لديهم .

•  تنظيم العمل وظهور النقابات العمالية جعل العمال يستفيدون من العطل الأسبوعية والسنوية تقضى غالبا في السياحة والسفر .

•  الإهتمام المتزايد للدول بالقطاع السياحي سيما الدول الضعيفة الموارد عملت على تطوير النشاط السياحي ومحاولة إستقطاب السواح .

•  ظهور المنظمات السياحية ، المحلية ، الإقليمية والعالمية التي تعنى بتنظيم السياحـة وتأطيرها وترقيتها ، زيادة عل إنشـاء وزارات مكلفـة بالسياحة على مستوى جل دول العالـم .

هذه العوامل وأخرى ساهمت في تطوير النشاط السياحي العالمي فقد كان حجم الإنفاق السنوي عل السياحـة سنة 2005 حـوالي 750 مليار دولارا